سلسلة أعمال القلوب – رابعا... الخوف
الخوف
كلمة تدل على الذعر والفزع في اللغة العربية،
خفت الشيء خوفاً وخيفة وخوّف الرجل جعل الناس يخافونه
(( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه))
أي يجعلكم تخافون أولياءه أي يخوّفكم بأوليائه.
والخوف توقع مكروه لعلامة مظنونة أو معلومة، وهو ضد الأمن ويستعمل في الأمور الدنيوية أو الآخروية
فهو توقع حلول مكروه أو فوات محبوب،اضطراب القلب وحركته أو فزعه من مكروه يناله أو محبوب يفوته.
قال ابن قدامة: اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال ..
والخشية أخص من الخوف فإن الخشية للعلماء بالله
(( إنما يخشى الله من عباده العلماء))،خوفاً مقروناً بمعرفة ..،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
((إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية))،
فالخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء والعارفين، وعلى حسب قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية..
فصاحب الخوف يلجأ إلى الهرب، وصاحب الخشية يلجأ إلى الاعتصام بالعلم ،
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - :
(( الخشية خوف مبني على العلم بعظمة من يخشى وكمال سلطانه))..
قال ابن قدامة: (( اعلم بأن الخوف سوط الله يسوق الله به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا بهما رتبة القرب من الله عزوجل، والخوف سراج القلوب به يبصر ما فيه من الخير والشر))..
ومن خاف اليوم أمِنَ غداً.. ومن أمِن اليوم خاف غداً.
والخوف يتعلق بالأفعال ، والمحبة تتعلق بالذات والصفات،
ولهذا تتضاعف محبة المؤمنين لربهم إذا دخلوا دار النعيم ولا يلحقهم فيها خوف.
قال ابن رجب : (( والله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ونصب الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال )).
لذلك كرر الله سبحانه وتعالى ذكر النار وما أعده الله فيها لأعدائه من العذاب والنكال
وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال
إلى غير ذلك مما فيه من العظائم والأهوال ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه
وامتثال والمسارعة إلى ما يأمر به ويحبه ويرضاه واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه،
فمن تأمل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد ذلك العجب العجاب
وكذلك السنة الصحيحة المفسّرة للقرآن
وكذلك سير السلف الصالح أهل العلم والإيمان من الصحابة والتابعين لهم بإحسان،
من تأملها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات
وأن ذلك هو الذي رقاهم إلى تلك الأحوال الشريفة والمقامات الساميات من شدة الاجتهاد في الطاعة
والكف عن المحرمات ودقائق الأعمال المكروهات فضلاً عن المحرمات..
الخوف منازل ودرجات ..
القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم فإن زاد على ذلك، بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والكف عن دقائق الكروهات
(يعني فعل المستحبات وترك المكروه والشبهة)، كان ذلك خوفاً محموداً فإن تزايد الخوف بحيث أدّى إلى مرض أو موت أو همٍّ لازم أو قعود عن العمل بحيث يقطع السعي عن اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة إلى الله عز وجل لم يكن خوفاً محموداً.
بعض الناس من شدة خوفهم من العذاب والنار يصابون باليأس والاحباط والقعود عن العمل ويقولون لا فائدة!!..، ليس هذا هو المطلوب ..، وهذه الزيادة مذمومة..
الخوف المطلوب: الذي يحمل على فعل المستحبات وفعل الواجبات قبلها وعلى ترك الشبهات والمكروهات وترك المحرمات قبلها وهناك خوف ضعيف أقل من هذا ، لا يؤدي إلى ترك المحرمات كلها أو فعل الواجبات كلها فهو خوف ناقص..
ذكر البخاري في قوله : (باب الخوف من الله عز وجل ).
قال ابن حجر: هو من المقامات العليّة وهو من لوازم الإيمان ،
قال الله تعالى : ((وخافونِ إن كنتم مؤمنين))
(( فلا تخشوهم واخشونِ))((إنما يخشى الله من عباده العلماء))،
وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه وقد وصف الله الملائكة بقوله :
(( يخافون ربهم من فوقهم ))،
والأنبياء بقوله : (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله )) ،
وإنما كان خوف المقربين أشد لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة
ولأن الواجب لله منه الشكر على المنزلة فيضاعف بالنسبة لعلو تلك المنزلة..
متى ينفع الخوف؟
ينفع مع الندم والإقلاع، فإن الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتصديق بالوعيد أو أن يحرم التوبة أو لا يكون ممن شاء الله أن لا يغفر له.
ماحكم الخوف من الله؟
الخوف من الله واجب، وهو من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب وهو فرض على كل أحد كما قال ابن القيم، إذاً يجب الخوف من الله ومن لا يخف فهو آثم.
أدلة وجوب الخوف
1- ((إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)) ، قال ابن سعدي –رحمه الله- : (( وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده وأنه من لوازم الإيمان فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله)).
2- (( وإياي فارهبون)) ، والأمر يقتضي الوجوب.
3- (( فلا تخشوا الناس واخشون)) ،
قال ابن سعدي: أمر الله بخشية الله التي هي رأس كل خير فمن لم يخشَ الله لم ينكفّ عن معصته ولم يمتثل أمره)).
4- إن الله امتدح أهل الخوف ، فقال: (( الذين هم من خشية ربهم مشفقون..))
((أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)).
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم :
((سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (( الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة)) أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال : لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم)).
وبين سبحانه أن مايرسله من الآيات لتصديق الأنبياء عليهم السلام كناقة صالح إنما يرسله من أجل التخويف
(( وآتينا ثموداً ناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)).
كذلك الآيات الكونية كالخسوف والكسوف وغيرها.
وكذلك قال الله في البرق والرعد:
((هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشيء السحاب الثقال)).
من فوائد الخوف
1- أن الله جعله شرطاً لحصول الإيمان ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين). قال ابن جرير: لا تخافوا أيها المؤمنين المشركين ولا يعظمن عليكم أمرهم ولا ترهبوا جمعهم مع طاعتكم إياي فأطعتموني واتبعتم أمري وإني متكلف لكم بالنصر والظفر ولكن خافوني واتقوني أن تعصوني أن تخالفوا أمري فتهلكوا إن كنتم مؤمنين فالله عزوجل أولى أن يخاف منه من الكفار والمشركين.
2- ابتلى الله الصحابة رضي الله عنهم بابتلاء عظيم ليظهر الذي لا يخاف من الذي يخاف في الصيد
(( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم
ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)).
ليختبرنكم الله أيها المؤمنون ببعض الصيد في حال الإحرام كي يعلم أهل طاعة الله والإيمان به المنتهون إلى حدوده وأمره ونهيه، يختبر ليظهر من الذي يخاف الله والذي لا يخافه (( ليعلم الله من يخافه بالغيب))، يعني يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم، يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سراً وجهراً ومحرم عليهم الصيد في الإحرام لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره ومن لا يطيع ، أما الصحابة فنجحوا في ذلك ، وأما اليهود ففشلوا عندما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت فاستحلوا محارم الله بأدنى الحيل، فنصبوا الشباك يوم الجمعة وسحبوها يوم الحد، فلم يخافوا الله فهلكوا. فالمرء قد يتعرض أحياناً لمعصية أو شهوة والوقوع فيها يسير جداً وقد تكون الفضيحة مأمونة (( ليعلم الله من يخافه بالغيب))،وكما في قصة يوسف وامرأة العزيز، هنا يكون الاختبار والبلاء.
3- الخوف من الله عبادة قامت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت نفسه عن المحرمات والمحظورات لأنه يخاف رب الأرض والسموات
(( قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين)).
فهو يخشى عذاب الله ولا يتعد حدوده.
4- الخوف من الله من صفات أولي الألباب
(( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب*
الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل
ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)).
الخوف من الله يدل على أن صاحبه صاحب عقل ، من أولي الألباب أي راجح العقل يعرف الشيء الذي يخوّف حقاً.
ثمرات الخوف من الله
أ- في الدنيا ..
1- من أسباب التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة ، قال عز وجل :
(( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد))
2- يبعث على العمل الصالح والإخلاص
(( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً* إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً..)) ، يريدون النجاة ويحذرون الهلاك ويخافون أن يأتوا وكتبهم بشمالهم.
ب - في الآخرة..
1- يجعل الإنسان في ظل العرش يوم القيامة،
(( ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله))،
ظاهر الحديث أنه يقولها بلسانه ليزجر المرأة عن فعلها وليذكر نفسه ويصر على موقفه
ولا يتراجع بعد إعلان
المبادئ،
((ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))،
الخشية الموجبة لدمع العين تؤدي إلى أن النار لا تمس العين يوم القيامة.
2- من أسباب المغفرة، شاهد ذلك الحديث: رجل كان فيمن قبلنا عنده جهل عظيم ورزقه الله مالاً فقال لبنيه لما حضره الموت: أي أب كنت لكم؟قالوا: خير أب ، قال: فإني لم أعمل خيراً قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا وما أسهل أن يعيده الله كما كان، قال : ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته..!!، فعذره الله بجهله وشفع له خوفه من ربه وإلا فالذي ينكر البعث كافر.
3- يؤدي إلى الجنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم :
((من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة))
يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة:
(( وعزتي وجلالي، وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة)).
4- سبب للنجاة من كل سوء، (( ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السر والعلانية)) ا
(( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)).
5- الرضا من الله ((رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه)).
وإلي لقاء الاسبوع القادم إن شاء الله
مع الجزء الثاني من " الخوف "
الإثنين 09 فبراير 2015, 12:11 am من طرف عباس الجبوري
» تهنئة جيش رجال الطريقة النقشبندية لجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بمناسبة مبايعته ملكا للمملكة العربية السعودية
الخميس 29 يناير 2015, 12:23 am من طرف عباس الجبوري
» عاجل ... المجلة النقشبندية العدد الحادي و التسعين والتي صدرت حديثا
الجمعة 16 يناير 2015, 11:57 pm من طرف عباس الجبوري
» عاجل .. تم اصدار العدد التسعون للمجلة النقشبندية
الأربعاء 07 يناير 2015, 12:28 pm من طرف عباس الجبوري
» بيان جيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد استدعاء بعض الفصائل وشيوخ عشائر إلى واشنطن
الخميس 04 ديسمبر 2014, 6:14 am من طرف عباس الجبوري
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية ونفيه لما ورد في بيان لجبهة جديدة غير معروفة بتأريخ 22\10\2014
الجمعة 24 أكتوبر 2014, 1:43 am من طرف عباس الجبوري
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد جرائم الحكومة الطائفية بحق شعبنا العراقي وأمتنا العربية الإسلامية بتأريخ 24-8-2014
الأربعاء 27 أغسطس 2014, 1:52 am من طرف عباس الجبوري
» بيان رقم (35) انتفاضة أحرار العراق 28 شوال 1435 هـ الموافق 24 آب 2014م
الأربعاء 27 أغسطس 2014, 1:06 am من طرف عباس الجبوري
» بيان صادر من المجلس العسكري لثوار عشائر ألبو بدران بتاريخ 15 اب 2014
الثلاثاء 19 أغسطس 2014, 1:33 am من طرف عباس الجبوري