السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من محاضرة قيمة لفضيلة الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله وشافاه
موضوع يستحق القراءة والتأمل....
كيف نشأت الحركة الصهيونية التي تطالب بأرض فلسطين وتعدها أرضاً يهودية ..؟! ومن أين جاء الشعور للعالم بأن الوعد الذي وعد اللّه - تبارك وتعالى - لإبراهيم صلى اللّه عليه وسلم هو لليهود وليس للمسلمين؟
الذي نسمع عنه وما قرأناه في منهج التاريخ الدراسي أن الذي بدأ هذه الدعوة هو هرتزل واليهود، والحقيقة غير ذلك.
إذ أن أول من بدأ الدعوة لتجميع اليهود ولتطبيق نبوءات التوراة هم النصارى قبل اليهود، وقبل الحركة الصهيونية بأكثر من أربعة قرون..، وإن لم نع هذه الحقيقة جيداً فإننا لن نستطيع معرفة مواقف الغرب عامة وأمريكا بخاصة من الصراع الذي نعيشه الآن، فلنلمّ بعجالة تاريخية لنرى ذلك.
كيف كان اليهود في أوروبا ؟
اليهود ملعونون في الإنجيل، وقد لعنهم الله تعالى من قبل حيث قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسرائيل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78].
ولكن كونهم ملعونين وإخوان القردة والخنازير، وعباد العجل ومصاصي الدماء، ليست هذه وحدها هي سبب عداوة النصارى لهم؛ بل المسألة عند النصارى أكبر من ذلك بزعمهم، فجريمتهم ليست الكفر بالله وقتل الأنبياء، ولكنها قتل الرب المسيح!!! - تعالى الله رب العالمين - وصدق حيث يقول: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً [النساء:157].
الطاعون الأسود وهكذا ظلت العداوة التي لا تنطفئ بين الطائفتين، واستمرت الكنيسة البابوية التي مقرها روما في لعن وعداوة اليهود بشكل عجيب وهائل..
ومن طرائف هذا العداء أن وباءً خطيرا انتشر في الغرب يسميه الغربيون: الطاعون الأسود قضى على الملايين من الأوروبيين حتى أقفرت كثير من المدن والقرى , فأعلن البابا في منشور رسمي عمم في كافة أنحاء أوروبا أن هذا الطاعون سببه اليهود!
فكان أي خبث في الدنيا أو شر ينسب إلى اليهود، وقامت حملات عارمة تزعمها البابا لتنظيف المجتمعات الأوروبية من اليهود، وفي القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر استمرت حملات التنظيف؛ فنظفت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكثير من دول أوروبا من اليهود؛ لأنهم يرونهم أخطر خلق الله وأكثرهم شرّاً -وهم كذلك- ويا لها من نظافة لو استمرت! [24] .
ومن جحيم أوروبا لجأ اليهود إلى كنف الأندلس وآواهم المسلمون، وبعدما احتل النصارى مدريد الإسلامية وشنوا حربهم الإبادية الشاملة على المسلمين في الأندلس شمل ذلك اليهود معهم؛ فلجئوا إلى الولايات التركية وخاصة اليونان .
وفي تلك الحقبة التاريخية الحاسمة قدر الله أن يقع حدثان كبيران أحدهما: جغرافي، والآخر: ديني، ومن امتزاج آثارهما تولدت أكبر قوة معادية للإسلام ولوعد الله الحق، وساعية لتحقيق الوعد المفترى، والتمهيد للمسيح الدجال، وهي الولايات المتحدة الأمريكية .. أما الحدثان فهما:
1- اكتشاف أمريكا .
2- ظهور الحركة البروتستانتية .
العلاقة اليهودية البروتستانتية البروتستانت : هي الطائفة التي تحتج على البابا - زعيم الكاثوليك -، وتخرج عليه وتؤمن بأن البشر لا يتوسطون بين الناس وبين الله، وقالوا:
إن على كل إنسان أن يقرأ الكتاب المقدس مباشرة ويطبقه مباشرة، وترفض احتكار رجال الكهنوت لتعليم الدين وتفسير الإنجيل، وقد تأثروا في ذلك بالمسلمين إبان الحروب الصليبية؛ إذ رأوا أن المسلمين يتعاملون مع كتاب اللّه مباشرة، ولا يتوسط أحد بينهم وبين اللّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , والذي حدث في أوروبا أنه بعد ظهور هذه العقيدة بدأ الناس يرجعون إلى الأصول التوراتية، وقام مارتن لوثر صاحب حركة البروتستانت بترجمة التوراة إلى اللغة الألمانية، وكذلك الإنجليزية، وقد انتشرت الحركة البروتستانتية أكثر ما انتشرت في ألمانيا وبريطانيا وآمن هؤلاء بحرفية الكتاب المقدس وعصمة التوراة، وأن كل حرف في التوراة هو حق من عند اللّه وبدأوا يقرأون مثل نصوص الوعد الذي ذكرنا لإبراهيم وليعقوب، فآمنوا به وبضرورة تحقيقه، وأعرضوا عن تفسيرات البابا ورجاله للعلاقة مع اليهود.
وابتهج اليهود بهذه الحركة ووجدوا فيها متنفساً لهم وفرصة للانتقام من البابا وأتباعه، وضرب النصارى بعضهم ببعض؛ فسخروا مكرهم ودهاءهم وأموالهم لنشرها، وهكذا بدأت العلاقة بين اليهود والنصارى تتحسن بالتدريج وبدأ هؤلاء النصارى يؤمنون بأن أرض فلسطين هي الأرض الموعودة لليهود، وأن الواجب الديني يقتضي تحقيق هذا الوعد.
وأخذ اليهود في نشر هذه المبادئ بين سائر طوائف النصارى، وشهد القرنان الماضيان من الحروب الطائفية في أوروبا ما لا نظير له في التاريخ، واكتشفت أمريكا في وقت كانت الحرب على البروتستانت من قبل الكاثوليك كبيرة وعنيفة مما اضطر البروتستانت إلى الهجرة إلى العالم الجديد، فأخذوا يتدفقون نحوها وإلى الآن لا يزالون هم أكثر سكان أمريكا .
وقد خرجوا من أوروبا بروح التدين التوراتي، فلما دخلوا أمريكا تفاءلوا بأن هذا خروج كخروج بني إسرائيل ودخولهم إلى الأرض المقدسة، وأخذوا يسمون المدن والمناطق في أمريكا بأسماء من التوراة، واعتقدوا أن هذه الأرض البكر بشرى بشرهم اللّه بها في الدنيا، وتأسس المجتمع الأمريكي على أساس بروتستانتي توراتي -كما سبق في كلام كارتر -.
ولعلكم الآن عرفتم الآن بداية الجواب على السؤال السابق وهو لماذا في هذا العصر دونما قبله من العصور يسعى النصارى لتحقيق وعد اليهود ويتحولون من اضطهادهم إلى خدمتهم؟! وعرفتم لماذا كانت أمريكا هي الدولة المهيأة لاحتضان حكومة المسيح الدجال الموعود بها عام (2000م)؟!
ظهور الصهيونية النصرانية كانت نتيجة الحركة البروتستانتية والتغلغل التوراتي فيها هي ظهور فكرة الصهيونية النصرانية قبل فكرة الصهيونية اليهودية ، وتبنيها لفكرة عودة اليهود إلى فلسطين تمهيداً لعودة المسيح التي كان بعضهم يظن أنها ستكون بداية هذا القرن الميلادي كما أشرنا.
وأبرز رجال هذه الحركة في أمريكا هو: بلاكستون الذي تحتفل الدولة اليهودية بذكراه، وهو ليس يهودياً؛ بل بروتستانتي ولد عام (1841م)، ودعا إلى الحركة الصهيونية قبل هرتزل بزمن وذلك في كتابه المسمى: عيسى قادم ، وقد ترجم إلى أكثر من 48 لغة منها العبرية، وطبع عدة طبعات وبيع منه أكثر من مليون نسخة، وكان أوسع الكتب انتشارا في القرن التاسع عشر في الغرب.
ويتلخص فكر بلاكستون فيما أسماه: " الاستعادة الأبدية لأرض كنعان من قبل الشعب اليهودي" واستطاع بلاكستون بعد ذلك أن يصوغ مع طائفة من أعوانه عريضة ويوقعها مع أكثر من 413 شخصية أمريكية من النواب والقضاة والمحامين والنخب، ويرفعوها إلى الرئيس بنيامين هريسون يطالبونه فيها باستخدام نفوذه ومساعيه لتحقيق مطلب الإسرائيليين بالعودة إلى أرض فلسطين ، وقد قدمت هذه العريضة عام (1891م).
وفي بريطانيا أسس البروتستانت صندوقاً سمي: صندوق اكتشاف فلسطين ، أيام حكم فكتوريا ، وكان رئيس الصندوق هو رئيس أساقفة كنتربري - وهو أكبر الأساقفة في بريطانيا -، وذلك بغرض اكتشاف أرض الميعاد وحدودها ومعالمها كما وردت في التوراة.
ثم ظهر بعد ذلك بلفور -صاحب الوعد المشهور- وتقول مؤلفة حياته -وهي ابنة أخته-:
إنه كان يؤمن إيماناً عميقا بالتوراة ويقرأها ويصدق بها حرفياً، وأنه نتيجة لإيمانه بالتوراة أصدر هذا الوعد وكان رئيس وزراء بريطانيا في أيامه هو: لويد جورج الذي يقول عن نفسه:
" إنه صهيوني، وإنه يؤمن بما جاء في التوراة من ضرورة عودة اليهود، وأن عودة اليهود مقدمة لعودة المسيح".
وهناك شواهد كثيرة على سبق الحركة الصهيونية النصرانية ورسوخها يضيق المجال عن ذكرها، ونكتفي بقول حاييم وايزمان : ' إن من الأسباب الرئيسية لفوز اليهود في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيا بإنشاء الوطن القومي اليهودي هو شعور الشعب البريطاني المتأثر بالتوراة [25]
بعد ذلك ظهر الرئيس ولسن الذي كان يحكم أمريكا أثناء الحرب العالمية الأولى حينما كان العرب يحاربون إلى جانب الحلفاء، ويقول ولسن هذا عن نفسه:
إنه يجب على ابن راعي الكنيسة أن يكون قادراً على المساعدة لإعادة الأرض المقدسة لشعبها اليهودي، وتقول عنه إحدى المؤلفات اليهوديات: إن التزام الرئيس ولسن بـالصهيونية كان عميقاً جداً، وكان معنياً بالفكر الصهيوني النصراني للدرجة التي لم ير فيها النتائج الأخلاقية والسياسية والدينية للبرنامج الصهيوني، ومن الغرائب المضحكات كما يقول أحد الكتاب: أن ولسن رئيس أكبر دولة مدعي الثقافة كان يظن أن عدد اليهود في العالم مائة مليون في الوقت الذي لم يكن يتعدى عددهم أحد عشر مليوناً!! فانظروا كيف استطاعوا تربيته لترسخ في ذهنه هذه المعتقدات!
وفي أيام ولسن ومن بعده ظهر رجل لابد من الإشارة إليه وهو أحد الزعماء المهمين في الولايات المتحدة وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي بعد الحرب العالمية الأولى..، يقول في خطاب ألقاه في بوسطن عام (1922م): " إنه جدير بالثناء أن يرغب الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم أن يكون هناك وطن قومي لأفراد جنسه الراغبين في العودة إلى البلاد التي كانت مهدا لهم، والتي عاشوا وعملوا فيها عدة آلاف من السنوات، وإنني لا أحتمل فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين " هذا هو حديث رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس عام (1922م) - أي: قبل (26 عاماً) على قيام دولة إسرائيل- يؤكد أنه لا يطيق أن تبقى القدس وفلسطين تحت سيطرة المسلمين!!
ذلك كله حتى نعلم أنه قبل اشتداد عود اليهود كان النصارى يؤمنون بضرورة وجود إسرائيل في فلسطين .....
حفظ الله الشيخ الدكتور سفر الحوالي وجزاه الله خير الجزاء على هذه المحاضرة القيمة..........
من محاضرة قيمة لفضيلة الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله وشافاه
موضوع يستحق القراءة والتأمل....
كيف نشأت الحركة الصهيونية التي تطالب بأرض فلسطين وتعدها أرضاً يهودية ..؟! ومن أين جاء الشعور للعالم بأن الوعد الذي وعد اللّه - تبارك وتعالى - لإبراهيم صلى اللّه عليه وسلم هو لليهود وليس للمسلمين؟
الذي نسمع عنه وما قرأناه في منهج التاريخ الدراسي أن الذي بدأ هذه الدعوة هو هرتزل واليهود، والحقيقة غير ذلك.
إذ أن أول من بدأ الدعوة لتجميع اليهود ولتطبيق نبوءات التوراة هم النصارى قبل اليهود، وقبل الحركة الصهيونية بأكثر من أربعة قرون..، وإن لم نع هذه الحقيقة جيداً فإننا لن نستطيع معرفة مواقف الغرب عامة وأمريكا بخاصة من الصراع الذي نعيشه الآن، فلنلمّ بعجالة تاريخية لنرى ذلك.
كيف كان اليهود في أوروبا ؟
اليهود ملعونون في الإنجيل، وقد لعنهم الله تعالى من قبل حيث قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسرائيل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78].
ولكن كونهم ملعونين وإخوان القردة والخنازير، وعباد العجل ومصاصي الدماء، ليست هذه وحدها هي سبب عداوة النصارى لهم؛ بل المسألة عند النصارى أكبر من ذلك بزعمهم، فجريمتهم ليست الكفر بالله وقتل الأنبياء، ولكنها قتل الرب المسيح!!! - تعالى الله رب العالمين - وصدق حيث يقول: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً [النساء:157].
الطاعون الأسود وهكذا ظلت العداوة التي لا تنطفئ بين الطائفتين، واستمرت الكنيسة البابوية التي مقرها روما في لعن وعداوة اليهود بشكل عجيب وهائل..
ومن طرائف هذا العداء أن وباءً خطيرا انتشر في الغرب يسميه الغربيون: الطاعون الأسود قضى على الملايين من الأوروبيين حتى أقفرت كثير من المدن والقرى , فأعلن البابا في منشور رسمي عمم في كافة أنحاء أوروبا أن هذا الطاعون سببه اليهود!
فكان أي خبث في الدنيا أو شر ينسب إلى اليهود، وقامت حملات عارمة تزعمها البابا لتنظيف المجتمعات الأوروبية من اليهود، وفي القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر استمرت حملات التنظيف؛ فنظفت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكثير من دول أوروبا من اليهود؛ لأنهم يرونهم أخطر خلق الله وأكثرهم شرّاً -وهم كذلك- ويا لها من نظافة لو استمرت! [24] .
ومن جحيم أوروبا لجأ اليهود إلى كنف الأندلس وآواهم المسلمون، وبعدما احتل النصارى مدريد الإسلامية وشنوا حربهم الإبادية الشاملة على المسلمين في الأندلس شمل ذلك اليهود معهم؛ فلجئوا إلى الولايات التركية وخاصة اليونان .
وفي تلك الحقبة التاريخية الحاسمة قدر الله أن يقع حدثان كبيران أحدهما: جغرافي، والآخر: ديني، ومن امتزاج آثارهما تولدت أكبر قوة معادية للإسلام ولوعد الله الحق، وساعية لتحقيق الوعد المفترى، والتمهيد للمسيح الدجال، وهي الولايات المتحدة الأمريكية .. أما الحدثان فهما:
1- اكتشاف أمريكا .
2- ظهور الحركة البروتستانتية .
العلاقة اليهودية البروتستانتية البروتستانت : هي الطائفة التي تحتج على البابا - زعيم الكاثوليك -، وتخرج عليه وتؤمن بأن البشر لا يتوسطون بين الناس وبين الله، وقالوا:
إن على كل إنسان أن يقرأ الكتاب المقدس مباشرة ويطبقه مباشرة، وترفض احتكار رجال الكهنوت لتعليم الدين وتفسير الإنجيل، وقد تأثروا في ذلك بالمسلمين إبان الحروب الصليبية؛ إذ رأوا أن المسلمين يتعاملون مع كتاب اللّه مباشرة، ولا يتوسط أحد بينهم وبين اللّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , والذي حدث في أوروبا أنه بعد ظهور هذه العقيدة بدأ الناس يرجعون إلى الأصول التوراتية، وقام مارتن لوثر صاحب حركة البروتستانت بترجمة التوراة إلى اللغة الألمانية، وكذلك الإنجليزية، وقد انتشرت الحركة البروتستانتية أكثر ما انتشرت في ألمانيا وبريطانيا وآمن هؤلاء بحرفية الكتاب المقدس وعصمة التوراة، وأن كل حرف في التوراة هو حق من عند اللّه وبدأوا يقرأون مثل نصوص الوعد الذي ذكرنا لإبراهيم وليعقوب، فآمنوا به وبضرورة تحقيقه، وأعرضوا عن تفسيرات البابا ورجاله للعلاقة مع اليهود.
وابتهج اليهود بهذه الحركة ووجدوا فيها متنفساً لهم وفرصة للانتقام من البابا وأتباعه، وضرب النصارى بعضهم ببعض؛ فسخروا مكرهم ودهاءهم وأموالهم لنشرها، وهكذا بدأت العلاقة بين اليهود والنصارى تتحسن بالتدريج وبدأ هؤلاء النصارى يؤمنون بأن أرض فلسطين هي الأرض الموعودة لليهود، وأن الواجب الديني يقتضي تحقيق هذا الوعد.
وأخذ اليهود في نشر هذه المبادئ بين سائر طوائف النصارى، وشهد القرنان الماضيان من الحروب الطائفية في أوروبا ما لا نظير له في التاريخ، واكتشفت أمريكا في وقت كانت الحرب على البروتستانت من قبل الكاثوليك كبيرة وعنيفة مما اضطر البروتستانت إلى الهجرة إلى العالم الجديد، فأخذوا يتدفقون نحوها وإلى الآن لا يزالون هم أكثر سكان أمريكا .
وقد خرجوا من أوروبا بروح التدين التوراتي، فلما دخلوا أمريكا تفاءلوا بأن هذا خروج كخروج بني إسرائيل ودخولهم إلى الأرض المقدسة، وأخذوا يسمون المدن والمناطق في أمريكا بأسماء من التوراة، واعتقدوا أن هذه الأرض البكر بشرى بشرهم اللّه بها في الدنيا، وتأسس المجتمع الأمريكي على أساس بروتستانتي توراتي -كما سبق في كلام كارتر -.
ولعلكم الآن عرفتم الآن بداية الجواب على السؤال السابق وهو لماذا في هذا العصر دونما قبله من العصور يسعى النصارى لتحقيق وعد اليهود ويتحولون من اضطهادهم إلى خدمتهم؟! وعرفتم لماذا كانت أمريكا هي الدولة المهيأة لاحتضان حكومة المسيح الدجال الموعود بها عام (2000م)؟!
ظهور الصهيونية النصرانية كانت نتيجة الحركة البروتستانتية والتغلغل التوراتي فيها هي ظهور فكرة الصهيونية النصرانية قبل فكرة الصهيونية اليهودية ، وتبنيها لفكرة عودة اليهود إلى فلسطين تمهيداً لعودة المسيح التي كان بعضهم يظن أنها ستكون بداية هذا القرن الميلادي كما أشرنا.
وأبرز رجال هذه الحركة في أمريكا هو: بلاكستون الذي تحتفل الدولة اليهودية بذكراه، وهو ليس يهودياً؛ بل بروتستانتي ولد عام (1841م)، ودعا إلى الحركة الصهيونية قبل هرتزل بزمن وذلك في كتابه المسمى: عيسى قادم ، وقد ترجم إلى أكثر من 48 لغة منها العبرية، وطبع عدة طبعات وبيع منه أكثر من مليون نسخة، وكان أوسع الكتب انتشارا في القرن التاسع عشر في الغرب.
ويتلخص فكر بلاكستون فيما أسماه: " الاستعادة الأبدية لأرض كنعان من قبل الشعب اليهودي" واستطاع بلاكستون بعد ذلك أن يصوغ مع طائفة من أعوانه عريضة ويوقعها مع أكثر من 413 شخصية أمريكية من النواب والقضاة والمحامين والنخب، ويرفعوها إلى الرئيس بنيامين هريسون يطالبونه فيها باستخدام نفوذه ومساعيه لتحقيق مطلب الإسرائيليين بالعودة إلى أرض فلسطين ، وقد قدمت هذه العريضة عام (1891م).
وفي بريطانيا أسس البروتستانت صندوقاً سمي: صندوق اكتشاف فلسطين ، أيام حكم فكتوريا ، وكان رئيس الصندوق هو رئيس أساقفة كنتربري - وهو أكبر الأساقفة في بريطانيا -، وذلك بغرض اكتشاف أرض الميعاد وحدودها ومعالمها كما وردت في التوراة.
ثم ظهر بعد ذلك بلفور -صاحب الوعد المشهور- وتقول مؤلفة حياته -وهي ابنة أخته-:
إنه كان يؤمن إيماناً عميقا بالتوراة ويقرأها ويصدق بها حرفياً، وأنه نتيجة لإيمانه بالتوراة أصدر هذا الوعد وكان رئيس وزراء بريطانيا في أيامه هو: لويد جورج الذي يقول عن نفسه:
" إنه صهيوني، وإنه يؤمن بما جاء في التوراة من ضرورة عودة اليهود، وأن عودة اليهود مقدمة لعودة المسيح".
وهناك شواهد كثيرة على سبق الحركة الصهيونية النصرانية ورسوخها يضيق المجال عن ذكرها، ونكتفي بقول حاييم وايزمان : ' إن من الأسباب الرئيسية لفوز اليهود في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيا بإنشاء الوطن القومي اليهودي هو شعور الشعب البريطاني المتأثر بالتوراة [25]
بعد ذلك ظهر الرئيس ولسن الذي كان يحكم أمريكا أثناء الحرب العالمية الأولى حينما كان العرب يحاربون إلى جانب الحلفاء، ويقول ولسن هذا عن نفسه:
إنه يجب على ابن راعي الكنيسة أن يكون قادراً على المساعدة لإعادة الأرض المقدسة لشعبها اليهودي، وتقول عنه إحدى المؤلفات اليهوديات: إن التزام الرئيس ولسن بـالصهيونية كان عميقاً جداً، وكان معنياً بالفكر الصهيوني النصراني للدرجة التي لم ير فيها النتائج الأخلاقية والسياسية والدينية للبرنامج الصهيوني، ومن الغرائب المضحكات كما يقول أحد الكتاب: أن ولسن رئيس أكبر دولة مدعي الثقافة كان يظن أن عدد اليهود في العالم مائة مليون في الوقت الذي لم يكن يتعدى عددهم أحد عشر مليوناً!! فانظروا كيف استطاعوا تربيته لترسخ في ذهنه هذه المعتقدات!
وفي أيام ولسن ومن بعده ظهر رجل لابد من الإشارة إليه وهو أحد الزعماء المهمين في الولايات المتحدة وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي بعد الحرب العالمية الأولى..، يقول في خطاب ألقاه في بوسطن عام (1922م): " إنه جدير بالثناء أن يرغب الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم أن يكون هناك وطن قومي لأفراد جنسه الراغبين في العودة إلى البلاد التي كانت مهدا لهم، والتي عاشوا وعملوا فيها عدة آلاف من السنوات، وإنني لا أحتمل فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين " هذا هو حديث رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس عام (1922م) - أي: قبل (26 عاماً) على قيام دولة إسرائيل- يؤكد أنه لا يطيق أن تبقى القدس وفلسطين تحت سيطرة المسلمين!!
ذلك كله حتى نعلم أنه قبل اشتداد عود اليهود كان النصارى يؤمنون بضرورة وجود إسرائيل في فلسطين .....
حفظ الله الشيخ الدكتور سفر الحوالي وجزاه الله خير الجزاء على هذه المحاضرة القيمة..........
الإثنين 09 فبراير 2015, 12:11 am من طرف عباس الجبوري
» تهنئة جيش رجال الطريقة النقشبندية لجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بمناسبة مبايعته ملكا للمملكة العربية السعودية
الخميس 29 يناير 2015, 12:23 am من طرف عباس الجبوري
» عاجل ... المجلة النقشبندية العدد الحادي و التسعين والتي صدرت حديثا
الجمعة 16 يناير 2015, 11:57 pm من طرف عباس الجبوري
» عاجل .. تم اصدار العدد التسعون للمجلة النقشبندية
الأربعاء 07 يناير 2015, 12:28 pm من طرف عباس الجبوري
» بيان جيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد استدعاء بعض الفصائل وشيوخ عشائر إلى واشنطن
الخميس 04 ديسمبر 2014, 6:14 am من طرف عباس الجبوري
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية ونفيه لما ورد في بيان لجبهة جديدة غير معروفة بتأريخ 22\10\2014
الجمعة 24 أكتوبر 2014, 1:43 am من طرف عباس الجبوري
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد جرائم الحكومة الطائفية بحق شعبنا العراقي وأمتنا العربية الإسلامية بتأريخ 24-8-2014
الأربعاء 27 أغسطس 2014, 1:52 am من طرف عباس الجبوري
» بيان رقم (35) انتفاضة أحرار العراق 28 شوال 1435 هـ الموافق 24 آب 2014م
الأربعاء 27 أغسطس 2014, 1:06 am من طرف عباس الجبوري
» بيان صادر من المجلس العسكري لثوار عشائر ألبو بدران بتاريخ 15 اب 2014
الثلاثاء 19 أغسطس 2014, 1:33 am من طرف عباس الجبوري