نشأته
لم ترفدنا المصادر التاريخية بالكثير عن حياة الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري، لا سيما في الفترة التي عاشها بين بني قومه، خاصة قبل إسلامه، ما يجعل مهمة الكشف عن شخصيته في هذه المرحلة عملية صعبة وشاقة، ولكن من المتسالم عليه أنّ أبا ذر كان ممن اتّسم بمعاني البطولة والشجاعة في الجاهلية، واستمر كذلك بعد إسلامه. ففي الجاهلية كان شجاعاً بطبعه، وقد روى ابن سعد في طبقاته، "أنّ أبا ذر كان رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً يتفرد وحده بقطع الطريق، ويغير على الصرم ـ وهي الفرقة من الناس بأعداد قليلة ـ في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه، كأنه السبع، فيطرق الحي ويأخذ ما يأخذ، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام". وكان هذا هو نمط الحياة السائد في البادية، التي كانت تقوم على النهب والسلب، ولا يرى فيها الأعرابي ما يخلّ بالشرف أو المكانة الاجتماعية، بل كانت على العكس مدعاة فخر واعتزاز تمنح لمن يقوم بها رفعةً ومكانةً بين قومه، ودليلاً على شدة بأسه وقوة شكيمته، ولكن الإسلام نهى عن هذه الممارسات التي تجعل المجتمع مستباحاً، فاستجاب أبو ذر والمسلمون لهذه الدعوة. الصحابي جندب بن جنادة
نسبه و نبذه مختصرة
هو جندب بن جنادة من غفار ، قبيلة لها باع طويل في قطع الطريق ، فأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع ، انهم حلفاء الليل ، والويل لمن يقع في أيدي أحد من غفار ولكن شاء المولى أن ينير لهذه القبيلة دربها بدأ من أبي ذر -رضي الله عنه- ، فهو ذو بصيرة ، و ممن يتألهون في الجاهلية ويتمردون على عبادة الأصنام ، ويذهبون إلى الايمان باله خالق عظيم ، فما أن سمع عن الدين الجديد حتى شد الرحال إلى مكة
البحث عن الحقيقة
ودخل أبو ذر -رضي الله عنه- مكة متنكرا ، يتسمع إلى أخبار أهلها والدين الجديد ، حتى وجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صباح أحد الأيام جالسا ، فاقترب منه وقال نعمت صباحا يا أخا العرب )فأجاب الرسول وعليك السلام يا أخاه )قال أبوذر أنشدني مما تقول )فأجاب الرسول ما هو بشعر فأنشدك ، ولكنه قرآن كريم )قال أبوذر اقرأ علي )فقرأ عليه وهو يصغي، ولم يمض غير وقت قليل حتى هتف أبو ذر أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله )
وسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن أنت يا أخا العرب )فأجابه أبوذر من غفار ) وتألقت ابتسامة واسعة على فم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، واكتسى وجهه بالدهشة والعجب ، وضحك أبو ذر فهو يعرف سر العجب في وجه الرسول الكريم ، فهو من قبيلة غفارأفيجيء منهم اليوم من يسلم ؟! وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ان الله يهدي من يشاء )أسلم أبو ذر من فوره ، وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس ، فقد أسلم في الساعات الأولى للاسلام
داعية متفان في سبيل الإسلام
عرض النبي(ص) الإسلام عليه فأسلم، وشهد بأنه لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وطلب الرسول منه أن يرجع إلى قومه ويدعوهم إلى الإسلام، ويكتم أمره عن قريش، ولكنه ما إن وصل إلى المسجد، حتى صاح بأعلى صوته بالشهادتين، فثار إليه القوم وضربوه، فأنقذه العباس، مبيناً لهم مخاطر ما أقدموا عليه على تجارتهم التي تمر بالقرب من غفار. تركت هذه الحادثة أثراً سلبياً على نفسية أبي ذر، وعاهد نفسه أن يثأر من قريش، فخرج وأقام بـ"عسفان"، وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام، يعترضهم ويجبرهم على إلقاء أحمالهم، فيقول أبو ذر لهم: لا يمس أحد حبة حتى تقولوا لا إله إلا الله، فيقولون لا إله إلاّ الله، ويأخذون ما لهم. وحين رجع أبو ذر إلى قومه، نفّذ وصيّة رسول الله(ص)، فدعاهم إلى الله عز وجل، ونبذ عبادة الأصنام والإيمان برسالة محمد(ص)، فكان أول من أسلم منهم أخوه أنيس، ثم أسلمت أمهما، ثم أسلم بعد ذلك نصف قبيلة غفار، وقال نصفهم الباقي، إذا قدم رسول الله إلى المدينة، أسلمنا، وهذا ما تم، وجاؤوا فقالوا يا رسول الله: إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا. وفي ذلك قال رسول الله(ص): "غفّار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله". ومما يلفت له، أن أبا ذر كان من المبادرين الأول لاعتناق الإسلام، حتى قيل إنه رابع من أسلم، وقيل خامسهم. وبقي أبو ذر بين قومه فترة طويلة، لم يحضر في خلالها غزوة بدر ولا أحد ولا الخندق، كما تقول الروايات، وبقي بينهم في الخندق الآخر، حيث كان يفقههم في دينهم، ويعلمهم أحكام الإسلام.
تمرده على الباطل
وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يحمل طبيعة متمردة ، فتوجه للرسول -صلى الله عليه وسلم- فور اسلامه بسؤال يا رسول الله ، بم تأمرني ؟)فأجابه الرسول ترجع إلى قومك حتى يبلغك أمري )فقال أبو ذر والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد ) هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله )كانت هذه الصيحة أول صيحة تهز قريشا ، من رجل غريب ليس له في مكة نسبا ولا حمى ، فأحاط به الكافرون وضربوه حتى صرعوه ، وأنقذه العباس عم النبي بالحيلة فقد حذر الكافرين من قبيلته اذا علمت ، فقد تقطع عليهم طريق تجارتهم ، لذا تركه المشركين ، ولا يكاد يمضي يوما آخر حتى يرى أبو ذر -رضي الله عنه- امرأتين تطوفان بالصنمين ( أساف ونائلة ) وتدعوانهما ، فيقف مسفها مهينا للصنمين ، فتصرخ المرأتان ، ويهرول الرجال اليهما ، فيضربونه حتى يفقد وعيه ، ثم يفيق ليصيح -رضي الله عنه- مرة أخرى أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله )
حياتة رضي الله عنة
اسلام غفار ويعود -رضي الله عنه- إلى قبيلته ، فيحدثهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن الدين الجديد ، وما يدعو له من مكارم الأخلاق ، فيدخل قومه بالاسلام ، ثم يتوجه إلى قبيلة ( أسلم ) فيرشدها إلى الحق وتسلم ، ومضت الأيام وهاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة ، واذا بموكب كبير يقبل على المدينة مكبرا ، فاذا هو أبو ذر -رضي الله عنه- أقبل ومعه قبيلتي غفار و أسلم ، فازداد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عجبا ودهشة ، و نظر اليهم وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله )وأبو ذر كان له تحية مباركة من الرسول الكريم حيث قال ماأقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء ،أصدق لهجة من أبي ذر )
غزوة تبوك وفي غزوة تبوك سنة 9 هجري ، كانت أيام عسرة وقيظ ، خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه ، وكلما مشوا ازدادوا تعبا ومشقة ، فتلفت الرسول الكريم فلم يجد أبا ذر فسأل عنه ، فأجابوه لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره )فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوه ، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه )وفي الغداة ، وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا ، فأبصر أحدهم رجل يمشي وحده ، فأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فقال الرسول كن أبا ذر )وأخذ الرجل بالاقتراب فاذا هو أبو ذر -رضي الله عنه- يمشي صوب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فلم يكد يراه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى قال يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده )
وصية الرسول له ألقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أبا ذر في يوم سؤال يا أبا ذر ، كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء )فأجاب قائلا اذا والذي بعثك بالحق ، لأضربن بسيفي )فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( أفلا أدلك على خير من ذلك ؟اصبر حتى تلقاني )وحفظ أبو ذر وصية الرسول الغالية فلن يحمل السيف بوجوه الأمراء الذين يثرون من مال الأمة ، وانما سيحمل في الحق لسانه البتار
جهاده بلسانه ومضى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده عهد أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ، في تفوق كامل على مغريات الحياة وفتنتها ، وجاء عصر عثمان -رضي الله عنه- وبدأ يظهر التطلع إلى مفاتن الدنيا ومغرياتها ، و تصبح السلطة وسيلة للسيطرة والثراء والترف ، رأى أبو ذر ذلك فمد يده إلى سيفه ليواجه المجتمع الجديد ، لكن سرعان ما فطن إلى وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ "فكان لابد هنا من الكلمة الصادقة الأمينة ، فليس هناك أصدق من أبي ذر لهجة ، وخرج أبو ذر إلى معاقل السلطة والثروة معترضا على ضلالها ، وأصبح الراية التي يلتف حولها الجماهير والكادحين ، وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة )وبدأ أبو ذر بالشام ، أكبر المعاقل سيطرة ورهبة ، هناك حيث معاوية بن أبي سفيان وجد أبو ذر -رضي الله عنه- فقر وضيق في جانب ، وقصور وضياع في الجانب الآخر ، فصاح بأعلى صوته عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه )ثم ذكر وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوضع الأناة مكان الانقلاب ، فيعود إلى منطق الاقناع والحجة ، ويعلم الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، جميعا شركاء بالرزق ، إلى أن وقف أمام معاوية يسائله كما أخبره الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غير خوف ولا مداراة ، ويصيح به وبمن معه أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم ؟؟)ويجيب عنهم نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ، وشهدتم مع الرسول المشاهد)، ويعود بالسؤال أولا تجدون في كتاب الله هذه الآية :"
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم ، وجنوبهم ، وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون " فيقول معاوية لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب )فيصيح أبو ذر لابل أنزلت لنا ولهم )ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل إلى الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام )فيكتب عثمان إلى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود إلى المدينة ، ويقول للخليفة بعد حوار طويل لا حاجة لي في دنياكم )وطلب الاذن بالخروج إلى ( الربذة )وهناك طالبه البعض برفع راية الثورة ضد الخليفة ولكنه زجرهم قائلا والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ، أو جبل، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي ) فأبو ذر لا يريد الدنيا ، بل لا يتمنى الامارة لأصحاب رسول الله ليظلوا روادا للهدى لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه يريد ضمه فقال له أبو ذر لست أخيك ، انما كنت أخيك قبل أن تكون واليا وأميرا )كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا ، فأزاحه عنه وقال اليك عني ، ألست الذي وليت الامارة ، فتطاولت في البنيان ، واتخذت لك ماشية وزرعا )وعرضت عليه امارة العراق فقال لا واللهلن تميلوا علي بدنياكم أبدا )
اقتدائه بالرسول عاش أبو ذر -رضي الله عنه- مقتديا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو يقول أوصاني خليلي بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أصل الرحم ، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من : لاحول ولا قوة الا بالله )وعاش على هذه الوصية ، ويقول الامام علي - رضي الله عنه - لم يبق اليوم أحد لايبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ) وكان يقول أبو ذر لمانعيه عن الفتوى والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عنقي ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تحتزوا لأنفذتها )ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما فقال له أليس لك ثوب غير هذا ؟لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين ؟)فأجابه أبو ذر يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني )قال له والله انك لمحتاج اليهما )فأجاب أبو ذر اللهم غفرا انك لمعظم للدنيا ، ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟)
وفاته في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ، وبجواره زوجته تبكي ، فيسألها فيم البكاء والموت حق ؟)فتجيبه بأنها تبكي لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا !)فيبتسم ويطمئنها ويقول لها لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين )وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري ، وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت )وفاضت روحه إلى الله ، وصدقف هذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى رأسها عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك وبدأ يقص على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك كما سبق ذكره
لم ترفدنا المصادر التاريخية بالكثير عن حياة الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري، لا سيما في الفترة التي عاشها بين بني قومه، خاصة قبل إسلامه، ما يجعل مهمة الكشف عن شخصيته في هذه المرحلة عملية صعبة وشاقة، ولكن من المتسالم عليه أنّ أبا ذر كان ممن اتّسم بمعاني البطولة والشجاعة في الجاهلية، واستمر كذلك بعد إسلامه. ففي الجاهلية كان شجاعاً بطبعه، وقد روى ابن سعد في طبقاته، "أنّ أبا ذر كان رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً يتفرد وحده بقطع الطريق، ويغير على الصرم ـ وهي الفرقة من الناس بأعداد قليلة ـ في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه، كأنه السبع، فيطرق الحي ويأخذ ما يأخذ، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام". وكان هذا هو نمط الحياة السائد في البادية، التي كانت تقوم على النهب والسلب، ولا يرى فيها الأعرابي ما يخلّ بالشرف أو المكانة الاجتماعية، بل كانت على العكس مدعاة فخر واعتزاز تمنح لمن يقوم بها رفعةً ومكانةً بين قومه، ودليلاً على شدة بأسه وقوة شكيمته، ولكن الإسلام نهى عن هذه الممارسات التي تجعل المجتمع مستباحاً، فاستجاب أبو ذر والمسلمون لهذه الدعوة. الصحابي جندب بن جنادة
نسبه و نبذه مختصرة
هو جندب بن جنادة من غفار ، قبيلة لها باع طويل في قطع الطريق ، فأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع ، انهم حلفاء الليل ، والويل لمن يقع في أيدي أحد من غفار ولكن شاء المولى أن ينير لهذه القبيلة دربها بدأ من أبي ذر -رضي الله عنه- ، فهو ذو بصيرة ، و ممن يتألهون في الجاهلية ويتمردون على عبادة الأصنام ، ويذهبون إلى الايمان باله خالق عظيم ، فما أن سمع عن الدين الجديد حتى شد الرحال إلى مكة
البحث عن الحقيقة
ودخل أبو ذر -رضي الله عنه- مكة متنكرا ، يتسمع إلى أخبار أهلها والدين الجديد ، حتى وجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صباح أحد الأيام جالسا ، فاقترب منه وقال نعمت صباحا يا أخا العرب )فأجاب الرسول وعليك السلام يا أخاه )قال أبوذر أنشدني مما تقول )فأجاب الرسول ما هو بشعر فأنشدك ، ولكنه قرآن كريم )قال أبوذر اقرأ علي )فقرأ عليه وهو يصغي، ولم يمض غير وقت قليل حتى هتف أبو ذر أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله )
وسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن أنت يا أخا العرب )فأجابه أبوذر من غفار ) وتألقت ابتسامة واسعة على فم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، واكتسى وجهه بالدهشة والعجب ، وضحك أبو ذر فهو يعرف سر العجب في وجه الرسول الكريم ، فهو من قبيلة غفارأفيجيء منهم اليوم من يسلم ؟! وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ان الله يهدي من يشاء )أسلم أبو ذر من فوره ، وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس ، فقد أسلم في الساعات الأولى للاسلام
داعية متفان في سبيل الإسلام
عرض النبي(ص) الإسلام عليه فأسلم، وشهد بأنه لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وطلب الرسول منه أن يرجع إلى قومه ويدعوهم إلى الإسلام، ويكتم أمره عن قريش، ولكنه ما إن وصل إلى المسجد، حتى صاح بأعلى صوته بالشهادتين، فثار إليه القوم وضربوه، فأنقذه العباس، مبيناً لهم مخاطر ما أقدموا عليه على تجارتهم التي تمر بالقرب من غفار. تركت هذه الحادثة أثراً سلبياً على نفسية أبي ذر، وعاهد نفسه أن يثأر من قريش، فخرج وأقام بـ"عسفان"، وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام، يعترضهم ويجبرهم على إلقاء أحمالهم، فيقول أبو ذر لهم: لا يمس أحد حبة حتى تقولوا لا إله إلا الله، فيقولون لا إله إلاّ الله، ويأخذون ما لهم. وحين رجع أبو ذر إلى قومه، نفّذ وصيّة رسول الله(ص)، فدعاهم إلى الله عز وجل، ونبذ عبادة الأصنام والإيمان برسالة محمد(ص)، فكان أول من أسلم منهم أخوه أنيس، ثم أسلمت أمهما، ثم أسلم بعد ذلك نصف قبيلة غفار، وقال نصفهم الباقي، إذا قدم رسول الله إلى المدينة، أسلمنا، وهذا ما تم، وجاؤوا فقالوا يا رسول الله: إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا. وفي ذلك قال رسول الله(ص): "غفّار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله". ومما يلفت له، أن أبا ذر كان من المبادرين الأول لاعتناق الإسلام، حتى قيل إنه رابع من أسلم، وقيل خامسهم. وبقي أبو ذر بين قومه فترة طويلة، لم يحضر في خلالها غزوة بدر ولا أحد ولا الخندق، كما تقول الروايات، وبقي بينهم في الخندق الآخر، حيث كان يفقههم في دينهم، ويعلمهم أحكام الإسلام.
تمرده على الباطل
وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يحمل طبيعة متمردة ، فتوجه للرسول -صلى الله عليه وسلم- فور اسلامه بسؤال يا رسول الله ، بم تأمرني ؟)فأجابه الرسول ترجع إلى قومك حتى يبلغك أمري )فقال أبو ذر والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد ) هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله )كانت هذه الصيحة أول صيحة تهز قريشا ، من رجل غريب ليس له في مكة نسبا ولا حمى ، فأحاط به الكافرون وضربوه حتى صرعوه ، وأنقذه العباس عم النبي بالحيلة فقد حذر الكافرين من قبيلته اذا علمت ، فقد تقطع عليهم طريق تجارتهم ، لذا تركه المشركين ، ولا يكاد يمضي يوما آخر حتى يرى أبو ذر -رضي الله عنه- امرأتين تطوفان بالصنمين ( أساف ونائلة ) وتدعوانهما ، فيقف مسفها مهينا للصنمين ، فتصرخ المرأتان ، ويهرول الرجال اليهما ، فيضربونه حتى يفقد وعيه ، ثم يفيق ليصيح -رضي الله عنه- مرة أخرى أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله )
حياتة رضي الله عنة
اسلام غفار ويعود -رضي الله عنه- إلى قبيلته ، فيحدثهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن الدين الجديد ، وما يدعو له من مكارم الأخلاق ، فيدخل قومه بالاسلام ، ثم يتوجه إلى قبيلة ( أسلم ) فيرشدها إلى الحق وتسلم ، ومضت الأيام وهاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة ، واذا بموكب كبير يقبل على المدينة مكبرا ، فاذا هو أبو ذر -رضي الله عنه- أقبل ومعه قبيلتي غفار و أسلم ، فازداد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عجبا ودهشة ، و نظر اليهم وقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله )وأبو ذر كان له تحية مباركة من الرسول الكريم حيث قال ماأقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء ،أصدق لهجة من أبي ذر )
غزوة تبوك وفي غزوة تبوك سنة 9 هجري ، كانت أيام عسرة وقيظ ، خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه ، وكلما مشوا ازدادوا تعبا ومشقة ، فتلفت الرسول الكريم فلم يجد أبا ذر فسأل عنه ، فأجابوه لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره )فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوه ، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه )وفي الغداة ، وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا ، فأبصر أحدهم رجل يمشي وحده ، فأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فقال الرسول كن أبا ذر )وأخذ الرجل بالاقتراب فاذا هو أبو ذر -رضي الله عنه- يمشي صوب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فلم يكد يراه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى قال يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده )
وصية الرسول له ألقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أبا ذر في يوم سؤال يا أبا ذر ، كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء )فأجاب قائلا اذا والذي بعثك بالحق ، لأضربن بسيفي )فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( أفلا أدلك على خير من ذلك ؟اصبر حتى تلقاني )وحفظ أبو ذر وصية الرسول الغالية فلن يحمل السيف بوجوه الأمراء الذين يثرون من مال الأمة ، وانما سيحمل في الحق لسانه البتار
جهاده بلسانه ومضى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده عهد أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ، في تفوق كامل على مغريات الحياة وفتنتها ، وجاء عصر عثمان -رضي الله عنه- وبدأ يظهر التطلع إلى مفاتن الدنيا ومغرياتها ، و تصبح السلطة وسيلة للسيطرة والثراء والترف ، رأى أبو ذر ذلك فمد يده إلى سيفه ليواجه المجتمع الجديد ، لكن سرعان ما فطن إلى وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ "فكان لابد هنا من الكلمة الصادقة الأمينة ، فليس هناك أصدق من أبي ذر لهجة ، وخرج أبو ذر إلى معاقل السلطة والثروة معترضا على ضلالها ، وأصبح الراية التي يلتف حولها الجماهير والكادحين ، وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة )وبدأ أبو ذر بالشام ، أكبر المعاقل سيطرة ورهبة ، هناك حيث معاوية بن أبي سفيان وجد أبو ذر -رضي الله عنه- فقر وضيق في جانب ، وقصور وضياع في الجانب الآخر ، فصاح بأعلى صوته عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه )ثم ذكر وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوضع الأناة مكان الانقلاب ، فيعود إلى منطق الاقناع والحجة ، ويعلم الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، جميعا شركاء بالرزق ، إلى أن وقف أمام معاوية يسائله كما أخبره الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غير خوف ولا مداراة ، ويصيح به وبمن معه أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم ؟؟)ويجيب عنهم نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ، وشهدتم مع الرسول المشاهد)، ويعود بالسؤال أولا تجدون في كتاب الله هذه الآية :"
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم ، وجنوبهم ، وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون " فيقول معاوية لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب )فيصيح أبو ذر لابل أنزلت لنا ولهم )ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل إلى الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام )فيكتب عثمان إلى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود إلى المدينة ، ويقول للخليفة بعد حوار طويل لا حاجة لي في دنياكم )وطلب الاذن بالخروج إلى ( الربذة )وهناك طالبه البعض برفع راية الثورة ضد الخليفة ولكنه زجرهم قائلا والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ، أو جبل، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي ) فأبو ذر لا يريد الدنيا ، بل لا يتمنى الامارة لأصحاب رسول الله ليظلوا روادا للهدى لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه يريد ضمه فقال له أبو ذر لست أخيك ، انما كنت أخيك قبل أن تكون واليا وأميرا )كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا ، فأزاحه عنه وقال اليك عني ، ألست الذي وليت الامارة ، فتطاولت في البنيان ، واتخذت لك ماشية وزرعا )وعرضت عليه امارة العراق فقال لا واللهلن تميلوا علي بدنياكم أبدا )
اقتدائه بالرسول عاش أبو ذر -رضي الله عنه- مقتديا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو يقول أوصاني خليلي بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أصل الرحم ، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من : لاحول ولا قوة الا بالله )وعاش على هذه الوصية ، ويقول الامام علي - رضي الله عنه - لم يبق اليوم أحد لايبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ) وكان يقول أبو ذر لمانعيه عن الفتوى والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عنقي ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تحتزوا لأنفذتها )ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما فقال له أليس لك ثوب غير هذا ؟لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين ؟)فأجابه أبو ذر يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني )قال له والله انك لمحتاج اليهما )فأجاب أبو ذر اللهم غفرا انك لمعظم للدنيا ، ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟)
وفاته في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ، وبجواره زوجته تبكي ، فيسألها فيم البكاء والموت حق ؟)فتجيبه بأنها تبكي لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا !)فيبتسم ويطمئنها ويقول لها لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين )وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري ، وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت )وفاضت روحه إلى الله ، وصدقف هذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى رأسها عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك وبدأ يقص على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك كما سبق ذكره
الإثنين 09 فبراير 2015, 12:11 am من طرف عباس الجبوري
» تهنئة جيش رجال الطريقة النقشبندية لجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بمناسبة مبايعته ملكا للمملكة العربية السعودية
الخميس 29 يناير 2015, 12:23 am من طرف عباس الجبوري
» عاجل ... المجلة النقشبندية العدد الحادي و التسعين والتي صدرت حديثا
الجمعة 16 يناير 2015, 11:57 pm من طرف عباس الجبوري
» عاجل .. تم اصدار العدد التسعون للمجلة النقشبندية
الأربعاء 07 يناير 2015, 12:28 pm من طرف عباس الجبوري
» بيان جيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد استدعاء بعض الفصائل وشيوخ عشائر إلى واشنطن
الخميس 04 ديسمبر 2014, 6:14 am من طرف عباس الجبوري
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية ونفيه لما ورد في بيان لجبهة جديدة غير معروفة بتأريخ 22\10\2014
الجمعة 24 أكتوبر 2014, 1:43 am من طرف عباس الجبوري
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد جرائم الحكومة الطائفية بحق شعبنا العراقي وأمتنا العربية الإسلامية بتأريخ 24-8-2014
الأربعاء 27 أغسطس 2014, 1:52 am من طرف عباس الجبوري
» بيان رقم (35) انتفاضة أحرار العراق 28 شوال 1435 هـ الموافق 24 آب 2014م
الأربعاء 27 أغسطس 2014, 1:06 am من طرف عباس الجبوري
» بيان صادر من المجلس العسكري لثوار عشائر ألبو بدران بتاريخ 15 اب 2014
الثلاثاء 19 أغسطس 2014, 1:33 am من طرف عباس الجبوري